
دور الزَّمن في تكوين القيمة
(الجزءٌ الرابع)
حتى الآن كنا نناقش التعديل في التوليفات الإنتاجيَّة داخل الفروع المختلفة في قطاعٍ ما وليكن القطاع الصناعي. ويجب الآن، بقصد المزيد من التَّحْلِيل، أن ننقل مستوى المناقشة من الفروع إلى القطاعات. ولنفترض وجود ثلاثة مُنتجات زراعيَّة: القمح، والأرز، والذرة. وكل مُنتَج من الثلاثة ينفق 24000 (س. ح. ض). ولكن، يجب على مُنتِج القمح أن يَنتظر 480 يومًا. أما منتج الأرز فيتعين عليه الانتظار 240 يومًا. أما منتج الذرة فعليه الانتظار 120 يومًا. طبقًا لقانون القيمة الاجتماعيَّة النسبيَّة ستتكون لدينا هنا (قيمة/ زمن) مختلفة، حيث تتحقق 50 (قيمة/ زمن) بواسطة (6000 س. ح. ض)، في زمن إنتاج قدره (30 يومًا). وذلك معناه أن الاقتصاد، على مستوى القطاعات الإنتاجيَّة، لديه (قيمة/ زمن) في القطاع الصناعيّ يختلف عن (قيمة/ زمن) في القطاع الزراعيّ.
وهذا الاختلاف، الطَّبيعيّ، مرجعه، بل وينتظم بفعل، حجم الرساميل من جهة وزمن الإنتاج من جهةٍ أخرى. وهذا الاختلاف أيضًا بين الـ (قيمة/ زمن) في القطاعات بفعل قانون القيمة الاجتماعيَّة النسبيَّة، وليس ميل مُعدَّلات الأرباح إلى التساوي، يعطينا، على الأقل، ثلاث فرضيات منهجية: حيث يمكن، بل يجب، أن ينعدم التساوي بين الأجور في القطاعات، كما يمكن، بل يجب، أن ينعدم التساوي بين الأرباح في القطاعات، ويمكن أيضًا، بل يجب، أن ينعدم التساوي بين أثمان وسائل الإنتاج على الصعيد الاجتماعيّ.
دعونا الآن ننقل مستوى المناقشة إلى حقل التجارة الخارجيَّة؛ ولنتخذ من سلعةٍ مُتجانسة مِثالًا؛ لنرى، من زاوية أخرى، كيف تتحدد القيمة الاجتماعيَّة، عبر الزمن، وفقًا للفن الإنتاج السَّائد. ولنفترض أن إنتاج الْجُبْن في فرنسا وإنجلترا وهولندا يتكلف 48000 (س. ح. ض). ولكن، لا يُطرح في السُّوق إلا بعد 960 يومًا في فرنسا، و480 يومًا في إنجلترا، و240 يومًا في هولندا. فسنكون هنا أيضًا أمام (قيمة/ زمن) تحقق بفعل قانون القيمة الاجتماعيَّة يتكون من ثمن إنتاج قدره 12000 (س. ح. ض)، وزمن إنتاج مدته 60 يومًا. وبالتالي سوف تدخل الرساميل التعديل على توليفاتها الإنتاجيَّة بقصد بلوغ أقل ثمن إنتاج “12000” في أقل زمن إنتاج “60” على الصعيد العالميّ.
يتعين هنا الوَعْي، بأن تلك التعديلات في التوليفات الإنتاجيَّة، سواء في قطاع الصناعة أو الزراعة داخل الاقتصادات الوطنية، أو حتى على الصعيد العالميّ، تعتمد، في المقام الأوَّل، على مدى التطوُّر في الصراع الاجتماعيّ من أجل السيطرة على الجديد في حقل التقنيَّة؛ لأن تطور التقنيَّة نفسها لا يتحدّد بتطور المجتمع؛ إنما يتحدّد بمدى الصراع الاجتماعيّ من أجل فرض السيطرة على التقنيَّة الَّتي تؤدّي بدورها إلى تطور المجتمع. وهو ما يجعلنا مباشرةً أمام محاولة تحليل طبيعة الدور الَّذي تلعبه الألة في تطور القيمة الاجتماعيَّة عبر الزمن. وهو ما يعتمد، في المقام الأوَّل، على الوعي النَّاقد بطبيعة التَّناقض بين ظاهرَتي القيمة والثمن في إطار الصراع على امتلاك الجديد في حقل التقنيَّة للحصول على أقل (قيمة/ زمن). وهو، بالتالي، ما يجعلنا نناقش مسألة مدى إمكانية تلاشي ظاهرة القيمة بسبب هيمنة الألة. وهذا ما سوف يكون محل انشغالنا في الجزء الخامس.