
تقرير: سودان ستار
في زوال الجمعة، عاد الصادق عبد القادر محمد هباني من الصلاة، متوضئًا وسالم القلب، لا يعلم أن بين خطواته إلى منزله تسير نحوه خيانة وجريمة. بعد ساعات فقط، كانت جثته تُرمى أمام باب بيت أخيه، وقد اخترقت رأسه رصاصة واحدة، أطلقها فرد من قوات “درع السودان” يُدعى الفرزدق، دون محاكمة، دون تهمة مثبتة، ودون أدنى احترام لحق الإنسان في الدفاع عن نفسه.
من هو الصادق؟
الصادق، مواليد 1976، هو ابن ناظر الحسانية المعروف عبد القادر هباني، وعُرف في مدينة الصوفي بتجارته في الأفران ومشاريعه الحرة، وبروحه المرحة، وحسّه الدعابي، وطبعه المسالم. لم تكن له أي علاقة بـ”قوات الدعم السريع” أو بـسلطة الأمر الواقع التي كانت تسيطر على المنطقة قبل انسحابها، بحسب شهادة عشرات من سكان المدينة.
له أخ توأم، الصديق، محامٍ تولى إدارة المنطقة مؤقتًا بتكليف من قوات الدعم بعد انسحاب الجيش، في محاولة لضبط الأمن ومنع الفوضى. لم يكن ذلك المنصب ميدانيًا أو عسكريًا، كان جسر تواصل بين المواطنين والسلطة بحكم الضرورة.
دخول القوات ومشهد الاعتقال
يوم الجمعة، اجتاحت قوات من الجيش السوداني ترافقها كتائب من “العمل الخاص” و”كيكل” و”البراء” مدينة الصوفي شبه الخاوية، بعد انسحاب الدعم السريع منها إلى مدينة الهلبة. لم تكن هناك معارك، لكن القوات دخلت بقوائم “مطلوبين” معدّة سلفًا ومنشورة على مواقع التواصل.
اعتُقل الصادق وشقيقه من منزلهما، واقتيدا إلى مركز الشرطة القديم، وبدأ التحقيق معهما. أفاد شهود عيان أن غالبية أهالي المدينة دافعوا عن الصادق، مؤكدين براءته من أي علاقة بالدعم السريع. تم إطلاق سراح العمدة محمد، بينما ظل الصادق محتجزًا بسبب شهادة واحدة: محمد تبيدي.
شهادة زور بالمصحف
محمد تبيدي، شريك الصادق السابق في مشروع “ستارلنك”، حمل معه خلافًا ماليًا قديمًا إلى ساحة الدم. في لحظة تحريض، أقسم زورًا على المصحف أن الصادق “دعامي”، رغم تكذيب أهل المدينة له، فكانت الكلمة قاتلة، وكانت الرصاصة أسرع من العدالة.
الإعدام الميداني
لم يُنتظر تحقيق، ولا محاكمة. الفرزدق، أحد المتفلتين التابعين لقوات درع السودان، أطلق النار على رأس الصادق، وأرداه قتيلًا. لم يُكتفِ بذلك، بل رُميت الجثة أمام منزل شقيقه، في مشهد صادم لأسرة مكلومة، وأطفال خسروا أباهم.
ضحايا الوشاية
لم تكن الجريمة معزولة. انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة “الوشايات الكيدية” من أفراد يستغلون مناخ الحرب لتصفية حسابات شخصية أو قبلية. الجريمة هزّت النيل الأبيض، ودفعت بالكثيرين لإعادة النظر في مدى خطورة نشر قوائم “المطلوبين” دون تحقق قانوني، وكيف باتت كلمة من جار كفيلة بإنهاء حياة إنسان.
أبناءه
ترك الصادق وراءه خمسة أطفال – ولدين وثلاث بنات – لا يزالون جميعًا في مراحل الدراسة. رحل المعيل، وبقيت الأسرة تواجه وحدها مصيرًا غامضًا.
عدالة معلّقة
بين فرزدق القاتل، ومحمد تبيدي الواشي، تضيع العدالة. ومع تفكك مؤسسات الدولة، وغياب سلطة قضائية مستقلة، تبقى هذه الجريمة عارًا أخلاقيًا في جبين حربٍ لم تبقِ للرحمة موضعًا.