
الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية: بين الجهل والواقع
تُعد الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية من أبرز التحديات التي تواجه الأفراد المصابين بهذه الاضطرابات، خاصة في المجتمعات العربية التي ما زالت تتعامل مع الصحة النفسية بكثير من التحفظ وسوء الفهم. فالوصمة هي تلك النظرة السلبية أو التحيز الذي يواجهه الأفراد بسبب حالتهم النفسية، ما يدفعهم إلى الشعور بالخجل والعزلة، ويمنعهم في كثير من الأحيان من طلب المساعدة أو العلاج اللازم.
أولًا: جذور الوصمة وأسبابها
تنشأ الوصمة الاجتماعية من عدة عوامل، أبرزها:
المفاهيم الخاطئة: كثيرون يربطون بين الأمراض النفسية وضعف الإيمان أو ضعف الشخصية، أو يظنون أنها نوع من “الجنون”، وهي مفاهيم لا تمت للواقع بصلة.
التأثيرات الثقافية والدينية: بعض العادات والتقاليد تعتبر المرض النفسي أمرًا يجب كتمانه، بدلاً من التعامل معه كحالة صحية تتطلب اهتمامًا ورعاية.
وسائل الإعلام: في كثير من الأحيان تُظهر الأفلام والمسلسلات الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية بصورة مشوهة، مما يعزز الصور النمطية السلبية.
ثانيًا: الآثار السلبية للوصمة
الوصمة الاجتماعية لا تؤثر فقط على الفرد المصاب، بل تمتد آثارها إلى أسرته والمجتمع بأسره، ومن أبرز هذه الآثار:
العزلة الاجتماعية: يتجنب المصابون بالأمراض النفسية التفاعل مع الآخرين خوفًا من التمييز أو السخرية.
رفض العلاج: الخوف من “العار” قد يدفع البعض إلى عدم طلب المساعدة النفسية، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم.
تدهور الصحة النفسية: عدم وجود بيئة داعمة ومتفهمة يؤدي إلى الشعور باليأس، وقد يزيد من الأعراض المصاحبة للاضطراب النفسي.
ثالثًا: كيف نواجه الوصمة؟
لمواجهة هذه الظاهرة المتجذّرة، لا بد من تبني خطوات عملية على مستوى الفرد والمجتمع:
نشر الوعي: عبر حملات إعلامية ومدرسية تُعزز الفهم العلمي للأمراض النفسية، وتُصحّح المفاهيم الخاطئة.
الدعم الاجتماعي: تشجيع العائلات والمجتمعات على احتضان ودعم من يعانون من اضطرابات نفسية بدلاً من تهميشهم.
تشجيع الحوار: فتح المجال للحديث عن الصحة النفسية في البيوت والمدارس وأماكن العمل، بهدف كسر حاجز الصمت والخوف.
تدريب الكوادر الصحية: من المهم أن يُدرّب الأطباء والممرضون على التعامل الحساس مع المرضى النفسيين، وأن يقدموا الدعم بعيدًا عن أي تحيّز.
ختامًا، لا يمكن بناء مجتمع صحي ومتوازن دون الاعتراف بأن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة. والتخلص من الوصمة الاجتماعية يبدأ من المعرفة والتفاهم والدعم، لا من الخوف والإقصاء.