ميرغني أبشر يكتب: عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ: فِي إِمْكَانِ نَقْلِ العَرْشِ وَفُتُوحِ الفِيزْيَاءِ المُتَسَارِعَةِ
ونسة.. ميرغني أبشر

مايشبه المقدمة:
من بين أعجب مشاهد القصص القرآني، يبرز مشهد انتقال عرش بلقيس من اليمن إلى مملكة النبي سليمان في الشام، لا على جناح طائر، ولا على صهوة فرس، بل “قبل أن يرتد إليك طرفك”. ولئن كان الخيال يتأرجح إزاء مثل هذه الأخبار، فإن إمكاناتها العلمية لم تعد مغلقة كما كانت.
لقد فتحت فيزياء الجسيمات، ونظريات الزمكان، وأبحاث المجال الكهرومغناطيسي، إمكانيات تتقاطع بشكل مذهل مع هذه الرواية، خاصة حين يُنسَب الفعل لا إلى الجن، بل إلى من “عنده علم من الكتاب”.
المبحث الأول: الرواية القرآنية – مفصل النص ومكان الاستفهام
يرد المشهد في قوله تعالى:
﴿قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ • قَالَ عِفْرِيتٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌۭ • قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌۭ مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ النمل، 38–40
هنا يفترق العرض بين عفريت الجن الذي يطرح خيارًا زمنيًا تقليديًا (مدة قيام المجلس)، وبين شخص غير مسمى يُشار إليه بـ”الذي عنده علم من الكتاب”**، ينجز المهمة في لحظة خاطفة تُختصر في غمضة عين.
اللافت أن النص يجعل “العلم” لا القوة الخارقة، هو مفتاح التفوق. ومن هنا تبدأ المقاربة العلمية.
المبحث الثاني: العلم من الكتاب، لا القوة من الجن
في بنيان القرآن، يُعرض الجن كمخلوقات ذات قدرات فوق بشرية، لكن قدراتها مرتبطة بالمجهود والزمان. أما من عنده علم من الكتاب، فيمتلك شيئًا آخر: تقنية، معرفة، شفرة تسمح باختزال الزمن والمكان.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بـ”الكتاب” هو اللوح المحفوظ أو كتاب علم الأسماء أو ضرب من العلم الخاص الذي يُمكّن من التحكم بالموجودات. لكن النص لا يفصح، مما يسمح بتأويل منفتح على الإمكان العلمي.
المبحث الثالث: الانتقال الفوري في العلم الحديث – من النظرية إلى الإمكان
3.1. اختصار المسافة بالزمن: فكرة الطيّ والانحناء
تقترح فيزياء النسبية العامة إمكانية انحناء الزمكان بفعل الطاقة الكثيفة (نظرية الثقوب الدودية – Wormholes).
كما أن فرضيات مثل “الانتقال الفوري الكمومي” (Quantum teleportation) و”الأنفاق الكمومية” (Quantum tunneling) فتحت احتمالات غير كلاسيكية لنقل المعلومات أو الجسيمات عبر حواجز آنية دون عبور المسافة خطيًا.
3.2. نيكولا تسلا: هندسة الحقول والطاقة اللاسلكية
كان تسلا من أوائل من تحدثوا عن “نقل المادة عبر الموجات”، في تجاربه المتعلقة بالمجالات الكهرومغناطيسية عالية التردد.
وإن لم تُوثق له تجربة مادية ناجحة بهذا المعنى، إلا أن نظرياته أثّرت في مجالات مثل:
التحكم عن بُعد،
هندسة الحقول الطاقية،
فكرة “مجال المعلومات” الذي قد يحمل صفات الجسم لا جسيماته.
3.3. الوعي كجسر نقل؟
يُطرح اليوم سؤال عن علاقة الوعي بالمكان، وهل يمكن أن يكون “الوعي” ذاته وسيلة انتقال؟
تجارب مثل “الرؤية عن بُعد” و”الإسقاط النجمي” لا تزال تُبحث علميًا، لكن إن صحت، فقد تُقدِّم تفسيرًا لمهارات فوق مادية كالواردة في قصة العرش.
المبحث الرابع: قراءة المشهد ضمن بنية الإمكان العلمي
أن يتم رصد مكان العرش في اليمن،
ثم تحليله طاقيًا أو معلوماتيًا،
ثم نسخه أو نقله إلى مكان آخر بسرعة تفوق سرعة الضوء (أو تلغي فكرة المسافة)،
هو في ذاته ما تحاول تقنيات “النقل الكمومي” محاكاته.
المشهد لا يتطلب تفسيرًا أسطوريًا، بل قراءة في إمكانيات التقنية المستقبلة، خاصة إن سلّمنا بأن “من عنده علم من الكتاب” يمتلك وصولًا إلى رموز التكوين أو معرفة بالبنية المعلوماتية للموجودات.
ما يشبه الخاتمة: من الخارق إلى الممكن
إنّ تأمل مشهد نقل العرش في ضوء الإمكانات الفيزيائية والتقنية الحديثة، يجعلنا أمام تصور جديد عن معجزات الأنبياء.
فما كان يبدو بالأمس خرقًا لطبيعة العالم، يمكن اليوم فهمه كاستباق معرفي لكيفية التحكم في المادة والزمن والمكان، بواسطة علم مخصوص – علم من الكتاب.
ولا يبقى هنا من بُعد إعجازي سوى السبق الزمني، إذ يُصبح النص سابقًا لا للتصور الأخلاقي فحسب، بل وللإمكانات التقنية ذاتها.
المراجع:
1/ القرآن الكريم، سورة النمل، الآيات 38–40
2. Kip Thorne (1994). Black Holes and Time Warps: Einstein’s Outrageous Legacy.
3. Brian Greene (2004). The Fabric of the Cosmos.
4. Davies, P. (2006). The Goldilocks Enigma: Why Is the Universe Just Right for Life?
5. Tesla, N. (1905). The Transmission of Electrical Energy Without Wires as a Means for Furthering Peace.
6. Penrose, R. (1994). Shadows of the Mind: A Search for the Missing Science of Consciousness.