مقالات الرأي

علي ياسين يكتب: مجانين (عسكريون إستراتيجيون)

سودان ستار

ربما لم يشهد الفضاء الإعلامي العربي تداولاً ملحوظاً لمصطلح (خبير عسكري إستراتيجي) قبل حرب الخليج الثانية ، المسماة ، (عاصفة الصحراء) حيث بدأت الفضائيات العربية تستضيف – في إطار متابعاتها و رصدها و تحليلها للوقائع العسكرية – بعض”علماء” الاستراتيجيات العسكرية لتقديم قراءات و تنبؤات مبنية على خبرات و معارف لا تتوفر لغيرهم في المجال العسكري..

 

ثم برزت ، بشكل خاص، خلال الحرب الروسية الأوكرانية، أسماء خبراء عسكريين عرب أدمنت الفضائيات العربية استضافتهم حول وقائع تلك الحرب ، لعل أبرز تلك الأسماء (اللواء الأردني المتقاعد: فايز الدويري) و العميد اللبناني إلياس حنا.. و كانت مقاربات و تحليلات الرجلين تؤكد استحقاقهما لهذا اللقب الفخيم (خبير عسكري إستراتيجي)..

 

بدا واضحاً خلال مقاربات الرجلين ، سواءً في تحليلهما لوقائع عسكرية بعينها ، أو في تنبؤاتهما المبنية على خبرات و معارف، لمستقبل أحداث بعينها أو مستقبل الحرب نفسها ، أن هذا اللقب ليس لقباً مجانياً يمنح لكل من يدّعيه ، بل هو لقب أصيل في مجال العلوم العسكرية ، يكافئ – تقريباً – لقب “بروفسير” في العلوم المدنية ، حيث يتأسس اللقبان العلميان على كسب من يحملهما في مجاله العلمي بإنجازاته العلمية من حيث البحث و الدراسة فضلاً عن الخبرة في التدريس الجامعي و فوق الجامعي

 

لكن هذه “الصورة” التي ترسخت في وعي المشاهد العربي لحملة هذا اللقب سرعان ما تعرّضت للتجريف، حين فاجأت كثير من الفضائيات العربية مشاهديها بمن أطلقت عليهم ألقاب “خبراء عسكريين إستراتيجيين” من السودانيين ، لاستجلاء و مقاربة وقائع حرب السودان الحالية ، و ربما تمثلت المفاجأة الأولى ، غض البصر عن مدى كفاءة هؤلاء “الخبراء” ، في أن هؤلاء الذين تتم استضافتهم و استنطاقهم يمثلون طرفاً واحداً من طرفي الحرب (لم يكن الأمر كذلك في شأن الحرب الروسية الأوكرانية، إذ كان الخبراء المستضافون من العرب أو غيرهم ، دائماً ، يتميزون بالحياد العلمي الصارم تجاه الوقائع محل النقاش، و لم يتم أبداً ، حينذاك، استضافة خبير عسكري روسي أو أوكراني إلا في سياق مناظرة بين الخبيرين).. و لكن المفاجأة الأخطر تمثلت في افتقار هؤلاء المستضافين كخبراء عسكريين إستراتيجيين ينتمون إلى الجيش السوداني ، إفتقارهم إلى أبسط القواعد العلمية في مقاربة الوقائع، دع عنك الحياد العلمي ، حتى إنَّه وقر في صدور الكثير من مشاهدي هذه الفضائيات أن (الخبيرين العسكريين الإستراتيجيين السودانيين فتح الرحمن محيي الدين، و ذلك الآخر المقيم بالقاهرة ) لا تقوم الفضائيات العربية باستضافتهما إلا “للترويح” عن مذيعيها و مذيعاتها، حيث توفر استضافة هذين الشخصين مادة وفيرة للضحك و السخرية !! .

أعاني ، شخصياً ، الكثير من الحرج بل الخجل، حين يستضاف أحد هذين الكائنين بصفة “الخبير العسكري الاستراتيجي السوداني” و لا أشك أبداً أن أية فضائية تستضيف أحدهما بهذه الألقاب إنما تتعمد السخرية من السودانيين، حيث يبدو واضحاً وضوح الشمس “التخلف العقلي” للرجلين بما لا يحتاج إلى أي برهان ، و حديث أي من الرجلين لا يصدر في الأساس عن “خبرة” في أي مجال، إنما هو خطاب إنشائي ركيك لا علاقة له لا بالشأن العسكري ولا بالشأن المدني، فالخبير العسكري الذي يقيم في القاهرة يسأله المذيع عن مستقبل الصراع العسكري في السودان فيجيب ، بفأفأة و تأتأة عن وجود هيكل سليمان في السودان و نوايا إسرائيل استرداده .. يسألونه عن مدى سيطرة الجيش السوداني على الأرض فيجيب بأن الجيش السوداني يسيطر على مائة بالمائة من أرض السودان ، الأمر الذي يجعل المذيعة عاجزة عن مقاومة الضحك حتى بعد إنهاء المقابلة !!

بينما يبشر ذلك المدعو “فتح الرحمن محيي الدين” السودانيين الذين اضطرتهم الحرب إلى النزوح أو اللجوء إلى دول أخرى ، يبشرهم بالموت في منافيهم لأن الحرب لن تقف!!

google.com, pub-1840596202921895, DIRECT, f08c47fec0942fa0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى