
ما هي الأصول!!؟؟
أصول الإسلام هي الدعوة الأساسية التي عاشها النبي عليه الصلاة والسلام في خاصة نفسه. فهي سنته، وهي موجهة لكل الناس وليست خاصة بأمة المؤمنين.. وعمدة هذه الدعوة الآيات التي نزلت في مكة تؤسس للتربية الفردية لإحسان المعاملة بين الناس على اختلاف معتقداتهم ليرتفعوا في أخلاقهم نحو الإنسانية بالتخلص من صفات الحيوان الرابض بداخلنا..
وقد أرست تلك الآيات المكية دعائم الحرية في الفكر والرأي، وحقوق المواطنة المتساوية فلا وصاية لمواطن على آخر بسبب العقيدة أو النوع أو اللون وكمثال: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أو (فذكر إنما أنت مذكر.. لست عليهم بمسيطر) أو (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وهكذا… وقد بلغت السور المكية ٨٦ سورة أما المدنية التي نزلت في المدين فعددها ٢٨ سورة فقط من جملة سور القرآن البالغة ١١٤ سورة..
والتمييز بين المكي والمدني عند بعض الناس، معتبر على الشكل بمعنى مكان النزول أو زمانه، فهم يرون أن ما نزل في مكة قبل الهجرة فهو مكى وما نزل في المدينة بعد الهجرة فهو مدني.. ولكن الأستاذ محمود عمق الأمر وأضاف المحتوى بوحي من معاني مفهوم أصول القرآن الذي تقوم عليه فكرة الرسالة الثانية من الإسلام موضوع هذا البحث.. و الأساس في المحتوى هو أن كل آية تدعو إلى الحقوق الأساسية وكرامة الفرد وتخاطب الناس على أنهم مسئولون فهي مكية وإن نزلت في المدينة، وأي آية تفرض الوصاية على الناس فهي مدنية..
لقد رأينا بنماذج بينة فيما مضى من حلقات كيف كان تصرف النبي الكريم إنسانيا في القمة ومنطلقه الأصول في النماذج الثلاثة، ولكن القرآن كان ينزل على رأي عمر على الفروع بمقتضى حكم الوقت.. فقد كان الوقت وقت المستوى العقائدي وهكذا نسخ المستوى العلمي في الأصول، وأرجأ إلى أن يحين وقته في المستقبل بتطور المجتمع عبر الزمن.. وبذلك كون الإسلام (حوش) واسع هو عقيدة المسلمين وحصر كل الناس داخله طوعا أو كرها كمن ينافق ومن لم يستجب يقتل، قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وبهذه الآية نسخت جميع آيات الحرية والإسماح المكية..
بمقتضى الفروع، وبعد حادثة محاولة اغتيال النبي يوم الهجرة، صارت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما ورد في آيات الفروع، وفقد غير المسلمين سائر الحقوق الأساسية حتى حق الحياة، أما أهل الكتاب فقد فرضت عليهم الجزية يدفعونها عن صغار وهوان (حتى يعطوا الجزيةعن يد وهم صاغرون) وجاء الحديث (إذا لقيتم اليهود والنصارى في الطريق فلا تبدأوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه)..
هذا وقد وجد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب نصرانيا يعمل كاتبا عند أبي موسى الأشعري، فضب عمر وفصله من العمل وعاتب أبي موسى.. فرد أبو موسى: إنما لي كتابته وله أجره!! فعقب عمر: والله لا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله!!
وهكذا تأسس المستوى العقائدي، وقامت الشريعة الإسلامية المعروفة لدى المسلمين اليوم على الوصاية، وهم لا يعرفون غيرها من الإسلام ويحاولون باستمرار الزج بها في مشاكل عصرنا فيشوهونها أيما تشويه وتبرز فتن لا حصر لها داخل النفوس وفي المجتمع .. فالعيب إذن، ليس فيها هي فقد كانت حكيمة كل الحكمة في وقتها، وإنما العيب في العقول التي تعجز عن أن تفهم أنها شريعة مرحلية خدمت غرضها حتى استنفده، وكذلك تعجز أن تفهم أن حكم الوقت يقتضي بعث أصول القرآن (السنة) كما بينا في هذا البحث..