
المسؤولية التاريخية لمؤسسة القوات المسلحة السودانية في إبادة الشعوب وتفكيك الدولة
لقد تم اقتطاع حديث الأستاذ عبدالواحد محمد نور من سياقه، بل ان السؤال نفسه كان خارجا عن السياق تماما. فالمسؤول عن إبادة الشعب السوداني هو مؤسسة القوات المسلحة، التي وُجِدت أصلاً لحماية الشعب، لا أن تتنصل من مسؤوليتها، أو تتواطأ وتقف متفرجة، ثم تستخدم أدوات إعلامية لتوزيع الاتهامات عشوائيا.
لماذا لجأت المذيعة إلى هذا السؤال المباشر والفج؟ هل كان الهدف استفزاز الأستاذ عبدالواحد أو إيقاعه في فخ؟ ولماذا لم يُقدَّم السؤال بتمهيد منطقي، بدلاً من هذه الصيغة السطحية الاستفزازية؟
سؤال “من أباد المساليت؟” كان مضللاً ..
الأجدر أن يُطرح السؤال بصيغة أكثر حيادية: “من يتحمل مسؤولية الأحداث الدامية في مدينة الجنينة؟” خاصة أن المدينة تضم قبائل متعددة، وضحايا الأحداث لم يكونوا حصرا على المساليت.
فطرح السؤال بهذه الطريقة يوحي بأنه مدفوع بأجندة مخابراتية تهدف إلى تحويل الصراع إلى إطار قبلي ضيق، بينما الواقع أكثر تعقيداً.
لو كان الصراع حقاً بين “العرب والزرقة”، فلماذا لم تُستهدَف القبائل الأخرى في الجنينة؟
المنطقة مأهولة بمجموعات عرقية متعددة غير عربية، مما يؤكد أن قبيلة المساليت وُظِّفت كأداة في لعبة أكبر، تُدار من قبل الإستخبارات العسكرية التي اعتادت توظيف الصراعات القبلية لخدمة أجندات النخبة الحاكمة في الخرطوم، بعيدا عن مصالح الأطراف المتقاتلة.
المسؤولية تقع على عاتق النظام الحاكم ومؤسسته العسكرية، التي تسببت في مآسٍ لا تُحصى:
– ملايين الضحايا في حرب الجنوب.
– مجازر دارفور والنيل الأزرق.
– محرقة قطار الضعين.
– الوفيات بسبب الإهمال الصحي والكوارث الطبيعية والفقر.
لو كان السودان دولةً مؤسسيةً تحترم مواطنيها، ما حدثت كل هذه الكوارث، ولما ظهرت مليشيات مثل “الجنجويد” التي صنعتها الدولة نفسها لتنفيذ سياساتها الدموية.
معظم الجرائم وقعت قبل ظهور الجنجويد، ومع ذلك ما زال البعض يحاول اختزال أزمات السودان في “الجنجويد” ككبش فداء.
السؤال الجوهري هنا:
لماذا تمرد جون قرنق، ومناوي، وجبريل، وعبدالواحد نور، وغيرهم؟
هل كان “الجنجويد” سبب تمردهم؟ أم أن المشكلة أعمق، وتكمن في بنية الدولة غير العادلة، وهيمنة النخبة المركزية، وانعدام المشروعية السياسية؟