
هل يمكنني أن أسألك؟
نعم، بالتأكيد.
حسنًا، هل سبق وضاجعتَ الأرق؟
أم أنك لا تعرف عنه شيئًا؟
كم مرة جنى عليك الليل وأنت في فراشك، تلتهب غيظًا، تركل الأغطية، تعتصر الوسادة، وتتحرك كالمجنون فوق السرير؟
طيب، هل جربت من قبل أن تبكي طلبًا للنوم؟
أن تتوسل إلى ربك وتبتهل بالدعاء لينزل عليك أمنةً نعاسًا يغشاك، ويزيح عنك عناء التخبط في ظلام ليلك البائس، بين الخيام، أو تحت شجرة، أو ظل راكوبة تتساقط عليك الأمطار؟
هل تعلم معنى السهر الإجباري؟
أن تشعر أن جفنيك بثقل جبلين، بجبل أُحُد، وصدرُك ضيقٌ حرجٌ، وكل مناك ساعة نوم،
لكن هيهات أن تحصل.
دعك من هذا، لأسألك عن التفكير، عن جحيم الأفكار التي تعشق الليل، وتعشق ساعات السكون والظلام، لتحيط بك من كل جانب، تغزو عقلك، وتقبع بضجيجها وسوئها عند ناصيتك.
تُخرج أسوأ ما في جعبتها، لتجعلك كالمجنون راغبًا في ضرب رأسك على أقرب حائط إليك.
ورغم ذلك، لا يحصل شيء سوى ازدياد ذلك الضجيج، كما لو أنه منصوب عند أذنك تمامًا:
أصوات مدافع، ورصاص، ومسيرات، وطيران، وصراخ الأطفال والنساء.
أخبرني، هل جربت أيًّا من هذا؟
هل مرّت عليك أيّ ليلة تشبه لياليَّ هذه؟
والآن،
على أي حال، تنتظر سؤالي… عفوًا، أسئلتي.
مستلقٍ تقاوم النوم؟ أم بالفعل نائم؟
في كل الأحوال، لا يهم.
لقد اعتدتُ السهر لوحدي بعد النزوح والتشريد، وما زال كابوس الحرب اللعينة يطاردني، وأنا أُطارد فقط غفوة نوم دون ضجيج أفكاري.
وأعلم تمامًا كيف تكون لذّة الوقوع في شِراك النوم،
إذا كنت هادئ البال، وتحت وسادة السعادة، وجهاز تكييف بارد،
أو في عاصمة أوروبية ناعسة الأجواء والهدوء.
وحالي، وبعضنا، وجميعنا نبحث عن نوم عميق وراحة بال، وارتياح جسد بعد عناء رحلة النزوح،
من الخرطوم، ثم مدني، ثم سنار، والدندر، ثم القضارف، والآن في كسلا،
ونحن في قارعة الطريق، والأمطار تلتهم كل مدافئ حياتنا، حتى دواخلنا أصبحت باردة، وبقينا كالطير الذي تطاير عُشه من رياح ومطر وبرد.
الحرب العبثية واللعينة، وأطرافها المبتورة الإحساس،
لا يهمهم شيء.
يُدمر الوطن ودواخلنا، وتهلك كل جماليات حياتنا،
ليبقى حالهم، وحالنا… الأسوأ.