
اقولها بصراحة : إن الحرب نقلت السودان نقلة خطيرة، من رصيف الدول النامية إلى غرفة الإنعاش، وبهذه الكيفية أصبح السودان بحق وحقيقة هو رجل أفريقيا المريض، دون مبالغة في الوصف، بعد أن كان مرشحًا ليكون سلّة غذاء العالم، وهي ردة لا نظير لها في التجارب المعاصرة، مما يتطلب بعد هذه الحرب اللعينة كضرورة حاسمة، ثورة إصلاحيّة عميقة الجذور، أسوة بالتي حدثت في اليابان، ولكن هذا لا يأتى بالتمني فلا بد من الرجوع لثورة ديسمبر المجيدة ولكن محو أخطائها التى وقعت فيها وهى بفعل فاعل لأن الثورة معلومة للجميع انها تنحاز انحيازاً تاماً لمصالح الأمة ، ومطالبها، وللمستضعفين فيها، والجائعين المعذَّبين، فإنها لا شك ثورة حق، لأن الهدف الأساسي من رسالات السماء إلى الأرض كان وما زال: تحقيق العدل والقسط وتحطيم الظلم والظالمين، يقول جلّ القائل: (لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)
أذا أردنا أن ينهض السودان من كبوته فلا بد اولا من محاربة الفساد والمفسدين من الكبار ومن هم حول الحكم والمتحلقون حولهم ولا بد من إحترام الشعب لأن هناك دول في محيطنا الافريقي والعربي تحترم شعوبها ولديها مؤسسات رقابية صارمة ولديها قوانين رادعة لمحاربة الفساد لا تفرق هذه القوانين بين وزير وموظف صغير وانما الجميع سواسية امام القانون وهذه الدول لا تطبق الشريعة الاسلامية ولم يقل حكامها انهم ظل الله في الارض ولكنهم حريصين على اعلاء مبدأ الشفافية واعلان ومحاكمة كل الفاسدين. وهناك دول استحدثت طريقة لاسترجاع الاموال التي اخذها افراد بغير وجه حق حيث تم فتح حسابات بنكية في معظم البنوك العاملة بالدولة واعلنت ارقام هذه الحسابات في الوسائط الاعلامية المختلفة واعلنت لمواطنيها ان كل من اخذ مالا عاما ويريد اعادته لخزينة الدولة عليه ايداع المبالغ في احد هذه الحسابات والتزمت الدولة بانها لن تلاحق اي شخص يقوم باعادة الاموال التي اخذها وسوف تظل بيانات الشخص المودع في سرية تامة كما الزمت البنوك بعدم التحقيق مع اي شخص يتقدم ليودع مبالغ مالية في هذه الحسابات مهما كان المبلغ كبيرا ولكن بالمقابل بعد ان يتم اكتشاف السرقة من المال العام فلا يحق له ان يتحلل منها بل يجب ان يحاكم اولا ثم بعد ذلك تتم عملية اعادة الاموال المنهوبة.
اقولها بملئ فمى إن الفساد هو أحد أهم التحديات الذي حتما ستعيق تنفيذ اى برامج ومسارات للنهوض وبالتالي هناك خيارين تجاه ذلك: أما تأكيد العزم على مكافحة الفساد بالتحول الجذري والحازم في خطوات المكافحة ونتائجها للإطاحة برؤوس الفساد وتعرية رموزه واجتثاثه من جذوره، عبر إرساء مبادئ العدالة الناجزة والعقوبة الزاجرة ،أو أن نضل كما نحن ندور في حلقة مفرغة، فلا رؤية أو تنمية سوف تأتي أكلها وتحقق أهدافها للأبد ونظل رجل أفريقيا المريض .
وللمعلومية لا يمكن مكافحة الفساد بإجراءات سرية واعلانات القبض واطلاق السراح، فضلا عن الإنتقائية الشديدة للضحايا (إن كان هنالك ضحايا)، بينما تسرح وتمرح التماسيح والضباع كما تشاء، بل وتقود الحملة المزعومة لمكافحة الفساد، وكأن الشعب السودانى عبيط وساذج ، لا يفرق بين الفاسد والمصلح، ولا يعرف من كان عاريا حافيا، يتغوط فى الشارع، وعندما تطاول فى البنيان بالفساد والمال الحرام، أخذ يوهم الناس بمكافحة الفساد!!
للمعلومية أيضا الفقر ليس عيبا، ولقد كان معظمنا فقيرا، ولا يزال، ولكن العيب، بل والعار، أن يلجأ الإنسان الى السرقة والنهب وأكل المال الحرام ليتخلص من الفقر، بدلا عن بذل العرق والجهد والعمل الشريف ولو ظل قابعا فى الفقر طيلة حياته، فهو على الأقل سيطعم نفسه وذويه بالحلال ويترك وراءه سيرة نظيفة، ولن يجرؤ أحد أن يتفوه عنه بسوء .. أما أن يثرى ويغنى بالفساد والمال الحرام واستغلال النفوذ ثم يعلن الحرب على الفساد بينما يستثنى نفسه وعشيرته الفاسدة لأنه صاحب السلطة، فإن الحرب التى يشنها أو يتظاهر بشنها، لن تكون فى نظر الجميع سوى مهزلة أو مسرحية هزلية، بل مجرد عبث لا طائل من ورائه!!
اللهم نعوذ بك من شتات الكلمة ومن نفاذ الحِيلة ومن ضيق الصدر في البلاء نسألك يا رب أن تخلّص السّودان من ويلات الحروب وتنعم عليه بالسلام واجعل الوئام عنواناً لأهله وسرّج لهم دروب الأمل .
ختاماً /
تجي عَابرَة زي لمْحَ البَرِق ،،
وتَصَحِّى شُوُقِي وْتِختَفِي
وكلما يلوح طِيفِكْ بَعِيِد
إحسَاسِي بالحِنْ تَسْرِفِي
وقلبي العشوق يَرهَف يَرِق
رَحمَاكْ ،، شُوُيَّة اتعَطَّفِي
ما إنتِ ،، يَاكْ بَدرَ التَّمَامْ
نُوُر سَرمَدِي وُمَابْ يِنطَفِي