
احمد خليل
مائة دولار رسوم امتحانات الشهادة المتوسطة
في خطوة تثير الاستغراب والاستياء، قررت وزارة التربية إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة للطلاب السودانيين في الخارج بالتزامن مع امتحانات ولاية نهر النيل في يوليو القادم. حتى هنا، يبدو الأمر منطقيًا. لكن غير المنطقي والمثير للتساؤل هو فرض الوزارة ذاتها رسومًا قدرها مائة دولار على كل طالب وطالبة خارج البلاد.
ألم يتساءل السيد الوزير وطاقم وزارته المتمركز في بورتسودان، هل جميع الأسر السودانية في الخارج حديثة عهد بالاغتراب؟ بالأمس القريب، وفي لقاء على قناة الجزيرة مباشر، عاتب وزير المالية المجتمع الدولي بشدة، واصفًا صمته على معاناة السودانيين بالفضيحة. كيف له أن يصرح بذلك وهو نفسه يساهم في زيادة معاناة هذه الأسر؟ ألم يقر هو بنفسه بأن السودانيين يعيشون ظروفًا قاسية؟
وتؤكد مفوضية اللاجئين على موقعها الإلكتروني حجم الكارثة الإنسانية، فبين يناير ويونيو الماضي، نزح 1.6 مليون شخص داخل السودان، ليصل إجمالي عدد النازحين إلى 10.5 مليون، وهو أكبر نزوح داخلي على الإطلاق. والوضع يتدهور باستمرار، حيث يقدر أن أكثر من نصف السكان يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي.
بالإضافة إلى ذلك، اضطر ربع مليون سوداني للفرار خارج البلاد، ليصل إجمالي عدد اللاجئين إلى 1.8 مليون في منتصف العام. تستضيف معظمهم دول الجوار مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، وبدأت دول أخرى مثل تونس وأوغندا في استقبال أعداد متزايدة.
في ظل هذه الظروف المأساوية، يأتي وزير التربية ومسؤولو وزارته ليثقلوا كاهل النازحين واللاجئين بفرض رسوم باهظة على امتحانات أبنائهم.
تحية تقدير لطلاب الشهادة السودانية الذين امتحنوا في ظروف استثنائية، وتعاطفًا مع الذين لم يحالفهم الحظ، وأولئك الذين حرمتهم الحرب وتقسيم البلاد الذي فرضه البرهان من الجلوس للامتحانات. والآن، وبعد ظهور نتائج الشهادة، تقرر إجراء امتحانات الشهادة السودانية والشهادة المتوسطة برسوم دولارية.
يبدو أن السيد وزير التعليم والسيد وزير المالية لا يعبآن بظروف أولياء الأمور، سواء كانوا نازحين أو في مخيمات اللجوء. ما يهمهم فقط هو تحقيق الإيرادات، حتى لو كان ذلك على حساب دماء مواطنيهم المثقلين بالهموم والظروف الصعبة. هل يعقل أن تفرض وزارة التربية أو السفارات في الخارج رسومًا بالدولار على امتحانات المرحلة المتوسطة؟
تظل تداعيات هذه الحرب اللعينة تؤرقني ليلًا ونهارًا. ويبقى السؤال الملح: لماذا الحرب؟ هذا السؤال لم يعد مجرد استفسار عن الأسباب، بل تحول إلى واقع يتجاوز الإدانة والاستنكار. إنه سؤال وجودي عميق عن معنى وجود الإنسان السوداني، هذا النسيج الفريد من البشر، في خضم الإنسانية. إنها تساؤلات وجودية عن هويتنا ومصيرنا على هذه الأرض.